كلمات / زكريا الكمالي
أزمات بعضها فوق بعض. هذا هو اليمن الآن.
في كل مدينة كارثة، وفي كل مديرية مصيبة، وفي كل حي أزمة خانقة.
تتشابه المدن مع بعض في كوارثها، تتعافى واحدة، وتصاب الثانية باختناق مميت، إلا تعز.
مصائب كل المدن، مجتمعة فيها، ولديها مصيبة إضافية وحصرية، اسمها "قيران".
الكتابة عن كارثة تعز، لا تقل وجعاً عن الكارثة التي لحقت بمدينة الحديدة بسبب انطفاء الكهرباء، حيث توفي عدد من مرضى الغسيل الكلوي، وتعفنت الجثث. ولا عن مآسي نازحي "زنجبار".
مصاب تعز, جلل، ولا يمكن إلصاقه بـ"القضاء والقدر". وباء قاتل، لكننا قادرون على اجتثاثه، إذا توافرت الإرادة من أبناء هذه المدينة.
وسائل الإعلام لا تنقل ربع الصورة الحقيقية لما جرى ويجرى في تعز. المدينة تُعاقب بالفعل، وباتت تنام بعين واحدة.
حتى لا يوثق الإعلام جرائمه، حوّل مدير أمن تعز، معارك القصف, ليلاً. هكذا يفكر زعماء العصابات واللصوص.
في الظلام، سيقصف غرف النوم، ويروّع الأطفال، بحجة "ترسيخ السكينة العامة". وفي الفجر، سينام، كلص.
قبل شهر، نزح كثير من سكان الحصبة في صنعاء إلى تعز، هربا من لهيب المعارك التي دارت هناك. قدموا إلى مدينتهم الأم، فوجدوها تتعذب أكثر. نزح غالبية سكان أحياء "الشماسي", "الهريش" الى قراهم، وأحياء آمنة، بعد إنذارات وجهها مدير أمن تعز إليهم، بسرعة إخلاء منازلهم، حتى يتسنى له القصف.
مد رجال الأعمال والمشائخ أيديهم إليه كـ"طرف" من أجل توقيع اتفاق تهدئة، فخرقه بعد ساعة بقصف غير معهود.
منذ اتفاق التهدئة الفاشل، طالت "قرون قيران"، بدأ ينطح الأحياء البعيدة من ساحة الحرية أيضا, بقذائفه الطائشة.
فجر الجمعة، شن قصف وهمي بشع على المدينة، حتى لا يخرج الناس في "صلاة الجمعة"، وفي المساء، عاد ليصرح على لسان "مصدر محلي"، بأن عناصر المشترك "أقاموا صلاة غير مرخصة في ساحة الحرية" وقاموا بنصب الخيام !!.. ألم تكن عودة ساحة الحرية، والمسيرات السلمية الدائمة، ضمن بنود الاتفاق المعلن. نريد إجابة من رجال أعمال تعز الذين وقعوا معه؟
مساء أمس الأول، حذر من "قيام أي حزب أو جهة أياً كانت بتسيير مسيرات أو مظاهرات غير مرخص لها". حاكم عسكري وبليد. لا يعي أن الثورات حرة، و لا تنتظر ترخيصاً من إدارته.
الرجل لا يكتفي بالإرهاب الذي يمارسه ليلاً، ويهدد بمجازر جديدة ضد الشباب ومسيراتهم السلمية.
الذي يقتل مرة، سيقتل ثانية وثالثة وألف. سيقتل مادامت أفعاله القبيحة، تواجه بمباركه من أبناء تعز، الذين ما زالوا في صف النظام، ويصفقون له. عليهم أن يفيقوا، ويدركوا أن ما يجري هو عار عليهم في المقام الأول.
سُيحاكم مدير أمن تعز لا محالة، اليوم أو غداً، وحين يُسأل: "يا قيران من قرونك"؟ سيرد "ما لقيت حد يردني".
ما الذي ستقولونه حينها؟ أريد أن أعرف فقط؟. لم تعلنوا تأييد الثورة،وهذا حق لكم، فلماذا لا تعملون فقط، على إيقاف جرائم، ضد مدينة أنجبتكم، وتربيتم على ترابها.تعز لن تتعافى والذي يدير أمنها سفاح.
قيران ليس إله، بل مجرد قاتل، والقاتل دائما جبان. وجود موقف شجاع وموحد من تجار تعز الذين خاضوا وساطة،خُرقت، وبقية أبناء المدينة، وكوادرها، الذين ما زالوا مع النظام، سيردعه عن التمادي في جرائمه، سيجعلكم محط احترام من قيران نفسه، وليس أبناء المدينة فقط.اسبقونا وقدموه للمحاكمة. قدمّوا لتعز هدية ثمينة كهذه مثلاً.
إذا كان وزير العدل لا يريد أن يمارس مهامه، ويلقي القبض على قيران، كـ"فأر"، من وجه العدالة، فلماذا لا يستنكر ما يجري في مدينته، كونه ابزر المسئولين في النظام، غير المصابين. غازي الأغبري، عبد الله الحامدي، ونبيل شمسان،وغيرهم، مطالبون بتحديد موقف، وألا يكونوا كطابور الصمت السابق. عليهم أن يفكروا بإجابة حاسمة لمعادلة أخيرة فقط، ويدرسونها بدقة قبل الاختيار: تعز، أم قيران؟